محمد احمد المحجوب

في مدينة الدويم، على ضفة النيل الأبيض،
وُلد طفل في السابع عشر من مايو عام 1908.
لم يكن طفلاً عادياً…
كان يراقب أكثر مما يتكلم،
ويقرأ الواقع كما تُقرأ الكتب الثقيلة،
وكأن داخله إحساس مبكر بأن هذا البلد
سيحتاج يوماً إلى عقلٍ يفهمه… ولسانٍ يدافع عنه.
ذلك الطفل كان محمد أحمد المحجوب.
من الهندسة إلى الفكرة
بدأ طريقه مهندساً،
تخرّج من كلية غوردون التذكارية عام 1929،
ثم عاد فاختار القانون…
لأن الهندسة تبني الجدران،
أما القانون فيبني الدول.
نال ليسانس الحقوق عام 1938،
ودخل سلك القضاء،
قاضياً شاباً يحكم بالعدل أكثر مما يحكم بالنص.
لكنه أدرك سريعاً:
أن القاضي يرى الحقيقة من خلف المنصة،
أما السياسي… فيصنع مسارها.
السياسة: حين يصبح القلم موقفاً
ترك القضاء عام 1946،
واتجه إلى المحاماة…
ومنها إلى قلب السياسة.
انتمى إلى حزب الأمة،
ودخل معركة الاستقلال والهوية،
ليس بخطابة عالية،
بل بعقل بارد وقلم حاد.
بعد الاستقلال، صار:
وزيراً للخارجية
ثم رئيساً لوزراء السودان
مرتين:
(1965–1966)
و(1967–1969)
وفي عام 1967،
وقف السودان في لحظة عربية حرجة،
واحتضنت الخرطوم قمة اللاءات الثلاث.
كان المحجوب هناك…
لا يرفع صوته،
بل يزن الكلمات.
وساهم في التوسط بين
جمال عبد الناصر
والملك فيصل،
لإنهاء حر.ب اليمن.
حين يسقط الحكم… ويبقى الموقف
في مايو 1969،
جاء الا.نقلاب العـ.سكري،
وسقطت حكومته.
خيّروه بين السجن والمنفى،
فاختار المنفى…
لا هروباً،
بل حفاظاً على الفكرة.
ذهب إلى بريطانيا،
ثم عاد لاحقاً إلى السودان،
حيث رحل في يونيو 1976.
الأديب الذي لم يترك السياسة تبتلعه
لم يكن محمد أحمد المحجوب سياسياً فقط.
كان:
شاعراً
أديباً
ناقداً
ومفكراً
كتب في مجلتي الفجر والنهضة
في ثلاثينيات القرن الماضي،
داعياً لهوية سودانية
لا تقلد الشرق ولا تستنسخ الغرب.
من كتبه:
قصة قلب (1961)
مسبحتي ودني (1972)
الديمقراطية في الميزان (1974)
كان يرى أن السياسة بلا ثقافة
ضجيج…
وأن الأدب بلا موقف
ترفٌ فارغ.
الخلاصة
لم يكن محمد أحمد المحجوب مجرد رئيس وزراء.
كان:
رجلاً حاول أن يجعل
الدولة فكرة…
والسلطة مسؤولية…
والكلمة شرفاً.
رحل،
لكن سيرته بقيت تقول للسودانيين:
أن الحكم يمكن أن يكون نظيفاً…
وأن المثقف يمكن أن يدخل السياسة
دون أن يفقد روحه.


التعليقات

أضف تعليق